أعاد تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأخير، حول تلقيه “التماسات من أشقاء” يطلبون فتح الحدود مع المغرب، الجدل من جديد حول مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية، التي لا تزال تراوح مكانها منذ عقود، رغم المبادرات المتكررة من الجانب المغربي بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
منذ اعتلائه العرش، حرص الملك محمد السادس في أكثر من خطاب رسمي على التأكيد بأن المغرب يمد يده دائماً نحو الجزائر، داعياً إلى حوار مباشر وصريح بين قيادتي البلدين، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة. دعوات ملكية صادقة تكررت في مناسبات عدّة، لكنها لم تجد، للأسف، الآذان الصاغية من الجهة المقابلة، التي ما زالت تختار لغة الماضي بدل لغة المستقبل.
في المقابل، يبدو أن تصريح تبون الأخير، وإن جاء بعد رسائل متزامنة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لكل من الرباط والجزائر، يحاول تبرير استمرار القطيعة أكثر من كونه يعبّر عن استعداد فعلي لتجاوزها. فحين يقول الرئيس الجزائري إن “الحدود لم تُغلق بسبب قضية الصحراء”، فهو في الحقيقة يتغاضى عن جوهر الأزمة، لأن كل التوترات التي عاشها البلدان في العقود الأخيرة تدور حول هذا الملف تحديداً، والذي تعتبره المملكة المغربية قضية وجود، لا مجرد نزاع حدودي.
لقد أثبت المغرب، من خلال مقترحه المتقدم للحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية، أنه يتعامل مع هذا الملف برؤية واقعية ومسؤولة، حظيت بتأييد دولي واسع، بينما تواصل الجزائر دعم كيان انفصالي يعادي وحدة المغرب الترابية ويقف ضد استقراره، في وقتٍ أصبحت فيه دول العالم تميل إلى دعم الحل المغربي باعتباره الأكثر جدية ومصداقية.
الشعبان المغربي والجزائري يتطلعان منذ زمن إلى تجاوز هذه الخلافات، وفتح صفحة جديدة عنوانها الأخوة والتعاون. غير أن غياب الإرادة السياسية في الجزائر، واستمرارها في توظيف الخلاف لخدمة حسابات داخلية، يجعل كل مبادرة صادقة من المغرب تصطدم بجدار من الجمود والاتهامات المتكررة.
لقد قالها الملك محمد السادس بوضوح: “لن يأتي يوم أكون فيه سبباً في معاناة الشعب الجزائري الشقيق.” كلمات تعبّر عن عمق الرؤية الملكية وإيمانها بأن مصير البلدين واحد، ومستقبلهما المشترك لن يتحقق إلا بالتكامل والتفاهم، لا بالقطيعة والانغلاق.
إن الكرة اليوم ليست في ملعب المغرب، لأن موقفه واضح وثابت ومبادر منذ البداية. بل هي في ملعب القيادة الجزائرية، التي ما زالت تؤجل قراراً سياسياً شجاعاً يحتاجه التاريخ، قبل أن يفوت الأوان.